بينما كان أعضاء مؤتمر المصالحة الوطنية الشاملة المنعقد في بروكسل يتحادثون ويتبادلون الابتسامات ، كان قاتل الدكتور محمد عبدالملك المتوكل يصوب رصاصاته على جسم عجوز ثمانيني صرف من عمره دهرا يدافع عن حقوق الانسان ، وينور آلاف الطلبة الجامعيين بأفكاره الحداثية والعقلانية.
المسافة الواقعة بين حدث مؤتمر المصالحة الذي حضرته الأطراف السياسية المختلفة في العاصمة البلجيكية ، ومشهد الدكتور المتوكل غارقا في دمه بشارع الزراعة بالعاصمة صنعاء ، ليست مسافة مجردة تحسب بالأميال ، لكنها مسافة تحسب بمقدار الآمال المهدرة والأحلام التي نمت ونضجت ثم ذبلت ويبست على وقع الصراع السياسي بين الأطراف اليمنية .
ألا يبدو الحديث عن المصالحة الشاملة بالتزامن مع اغتيال قائد سياسي على الارض كمزحة ثقيلة تكشف اهتراء النخبة وإسرافها في الضحك على ذقون اليمنيين ، الم توقع القوى السياسية العديد من الاتفاقات والتفاهمات كان أهمها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي نسيها المتصارعون في غمرة التنازع على مناطق النفوذ.
أصبحت حفلات ومراسم التوقيع مسرحية مملة يضطر اليمنيون لمتابعة فصولها وان باتت نهايتها معروفة سلفا ، فكل اتفاق تعقبه جولة جديدة من الاحتراب والاقتتال في دورة الاتفاق والحرب التي صارت هي الإيقاع الذي انتظم داخلها المشهد السياسي اليمني.
ما يدور على الارض حتى اللحظة لا يشير إلى نهاية جدية لكرنفال القتل اليومي الذي افتتح منذ قرابة أربع سنوات ، لسبب بسيط هو أن المحاربين والمقاتلين المتوزعين في انتماءاتهم على الأطراف الموقعة لا يبدو أنهم معنيون بتنفيذ ما يتفق عليه ، فلكل طرف ثلة من الموقعين وجحافل من المقاتلين ، تؤدي الثلة دورها أمام الكاميرات والمنظمات الدولية وسفراء الدول الراعية للمبادرة الخليجية ، بينما تؤدي الجحافل دورها على الارض في خوض المعارك باعتبارها الوسيلة المفضلة لدى النخبة لحسم مسار التنافس – الصراع السياسي في اليمن .