شهدت اليمن احتجاجات شعبية واسعة في العام 2011م مطالبة بالتغيير، على غرار دول عربية عدة، شهدت احتجاجات مماثلة، وأدت إلى إسقاط رؤساء أو تنحيهم. وفي اليمن جاء انتقال السلطة فيها بناء على اتفاق سياسي بين المؤتمر الشعبي العام -الحزب الحاكم السابق- وتكتل اللقاء المشترك وهو تجمع لأحزاب قادت جبهة معارضة ضد صالح منذ عام 2003م.
عرف الاتفاق باسم المبادرة الخليجية وجرى توقيعه برعاية إقليمية ودولية، و ينص في أحد بنوده بأن يعقد مؤتمر حوار وطني شامل يضم الطرفين الموقعين على المبادرة إضافة إلى الحوثيين والحراك الجنوبي والشباب والمرأة.
في 18 مارس 2013م توافد ممثلو جميع الأطراف إلى دار الرئاسة بصنعاء، حيث تم افتتاح أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل بعد أشهر من التحضير والإعداد قامت به لجنة تحضيرية شكلت بقرار رئاسي من جميع المكونات المذكورة في اتفاق التسوية.

اختتم المؤتمر أعماله في 21 يناير متجاوزاً قرابة تسعة أشهر من التعقيدات والمداولات والمراوحة ، وخرج المتحاورون بجملة من الوثائق اصطلح على تسميتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، توزعت تلك المخرجات على تسع قضايا رئيسية مثلت محاور نقاشات المؤتمر طيلة فترة انعقاده وهي: القضية الجنوبية، قضية صعدة بناء الدولة، الحقوق والحريات، الحكم الرشيد، العدالة الانتقالية، الجيش والامن، التنمية الشاملة والمستدامة، استقلالية الهيئات ، كما شملت المخرجات على وثيقة خاصة بضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بناءً على طلب الحزب الاشتراكي وأطراف جنوبية.14-01-25-1547310094

الخروج بوثيقة تحظى بموافقة الفعاليات السياسية المختلفة كان يعني فقط أن الجزء الأسهل من العملية قد أنجز، وتبقىّ الجزء الأكثر وعوره، وهو تنفيذ ما احتوته وثيقة الحوار لاسيما في وضع متشابك كالوضع اليمني، حيث الحكومة مشكلة من أحزاب سياسية متنافسة (وأحيانا متصارعة)، والجيش يمر بمرحلة إعادة هيكلة معقدة التفاصيل وعلى الأرض تتواصل الهجمات المتكررة على أنابيب النفط وخطوط الكهرباء مسببة تراجع الإيرادات الحكومية وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي ليصل العجز في الموازنة العامة إلى أعلى رقم منذ أكثر من عشر سنوات، متخطيا حدوده الآمنة ، وفي الجانب الأخر من المشهد تخوض أطراف مشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل صراعات مسلحة في أكثر من محافظة ،فيما تسعى القاعدة على التمدد وإعادة السيطرة على المناطق التي خرجت منها بفعل الحملات التي شنها الجيش ، كل ما سبق لا يشير إلى بيئة مثالية يمكن أن يطبق فيها مخرجات المؤتمر بلا تحديات ومهددات حقيقية.

القول بأن أطراف مؤتمر الحوار شاركت في مؤتمر الحوار الوطني لا تعطي أولوية لتنفيذ مخرجاته، هو قول لا يبتعد كثيراً عن الحقيقة، فالجهات الرسمية تكاد تكون الوحيدة في مضمار التأكيد على تنفيذ ما تضمنته وثيقة الحوار على الأقل على صعيد الخطاب الإعلامي بينما تسعى جهات مختلفة نافذة ومؤثرة إلى فرض استحقاقات سياسية أو جملة مصالح ضداً على ورد في وثيقة الحوار التي تحظى بإجماع وطني.

بالنظر إلى معطيات الواقع اليمني ومعادلات التفاعل في مشهده السياسي فإن تحويل مخرجات الحوار الوطني من شكلها النصي النظري الى حقائق قائمة على الأرض ليس مرهوناً بإرادة واحدة بل مجموع إرادات تتناقض مصالحها ويتفاوت حماسها نحو تنفيذ تلك المخرجات باختلاف الدوافع والمصالح. وتالياً فإن إحالة المسئولية عن التباطؤ أو التلكؤ في تنفيذ المخرجات إلى فاعل واحد هو الفاعل الرسمي هي إحالة تفتقر إلى الدقة لسببين جوهريين ، يتمثل أحدهما في وجود مجموعة من الفاعلين غير الرسميين يتمتعون بأدوات تأثير وعوامل قوة ويمثلون أدواراً تنافس الدور الرسمي أو تتداخل معه ، ويتمثل السبب الأخر في الطبيعة التوافقية الحاكمة للمرحلة الانتقالية في اليمن والتي قد تُضيِّق ، بل بالفعل تفعل ذلك ، الخيارات المتاحة أمام رأس القيادة السياسية لليمن في فترته الانتقالية .

إجمالاً فإن الفاعل الرسمي في اليمن يبقى متحملاً للجزء الاكبر من المسئوليةعن تطبيق نتائج الحوار بالقياس إلى الظهير الدولي والأممي المساند للرئيس هادي، وكون وثيقة الحوار حازت على إجماع الفعاليات السياسية اليمنية، وتتقاسم الأطراف الأخرى باقي المسئولية بحسب مفاعيل وأدوات القوة التي يملكها كل طرف، سوءً كانت مشروعة أو غير مشروعة، حيث أحزاب سياسية كالمؤتمر والإصلاح وجماعة كالحوثيين وشخصيات كالرئيس السابق واللواء الأحمر والشيخ الأحمر مازالوا يسيطرون على العديد من قواعد اللعبة السياسية تصل الى حد فتح جبهات صراع مسلح، وتفجير بؤر قلق أمني لغرض وقائع غير منسجمة او مضادة لاستحقاقات المرحلة ومخرجات الحوار.