تقترب خطواته من العمارة الشاهقة التي يسكنها ، يتحرك بجدية تلقائية وقدماه تلامسان الارض بإيقاع منسجم ، وما أن تجاور قامته قامة العمارة حتى يهبط سلما صغيرا يقود إلى باب حديدي صدئ لدرجة أن لونه الأزرق استحال بنيا قاتما ، مع احتفاظه بنتف زرقاء كبقايا ملامح لباب ينسي زرقته بذوبان الأيام .

يمسك قفل الباب بيده اليسرى بينما تتولى اليمنى إدارة المفتاح بحنو بالغ ، يفتح الباب بتمهل مقصود ، وكأنما يتحاشى إفزاع شخص ذي  شأن سادر في نوم عميق بجوف الغرفة ، يتوارى ظهره في فوهة الباب الحالكة السواد ، يغلق الباب بينما يمد يده بالاتجاه الأيمن ضاغطا زر الكهرباء ليضيء مصباحا يتيما في سماء الغرفة ويلقي تحية مسائية دافئة:

– مساء الخير حبيبتي.

–  …….

– تأخرت عليك الليلة؟

– …….

– أوه يا روحي لا تبالغي أنا ما تأخرت كثير ، نصف ساعة بس.

– …….

– معلش لازم تصبري عليا زي ما أعرفك ، صبورة وتعذرني على أخطائي ، بعدين انتي تعرفي كثر العمل وغلا ء المعيشةِ، الواحد لازم يدفع من راحته وصحته عشان لقمة العيش.

ينقل قطع الملابس من فوق جسده قطعة قطعة  إلى خانة دولاب مائل بفعل انكسار إحدى قوائمه ، يرتدي سروالا رصاصيا وفانلة واسعة من نفس اللون ، يقف بجوار مغسلة يد صغيرة بركن الغرفة ، ينصب الماء من الحنفية على كفيه اللتان تقومان بمهمة رفع الماء وسكبه على مسامات وجهه ، يمسك طرف المنشفة المنسدلة من فوق مسمار مغروس في الجدار ، ويقول بينما يمسح وجهه المبتل :

–   والله يا روحي مارح ألاقي مثلك بالدنيا كلها ، كل وقتك تنتظريني ، كلما مليتي الانتظار تنتظري أكثر.

– …….

يجلس مقابلها تماما ، يحصي كم قضى من السنين بحثا عن حبيبة يجد فيها كل الأسباب التي تعلقه بحبل حبها ، حتى وجدها منتصف العقد الثالث ، وخرج من سنوات بحثه بخلاصة تقول ” أن تخلق امرأة أسهل بكثير من أن تجد حبيبة” ،  تسكن أطرافه ويستقر في جلسته أمامها ، يتأملها بتمعن لذيذ ، تعجبه تقاسيم وجهها و تموجات جسدها الطافحة بالأنوثة ، وفوق هذا فروحها كالهمس ، كالنسمة ، احتلت مساحات قلبه كأنها خلقت له ، وعلى مقاسات روحه هو .

في الجهة الأخرى من الغرفة تجلس الفتاة بملامح مطمئنة وابتسامة إقبال على الحياة ، وقد انسدل شيء من شعرها فوق عينها اليمنى ، وكعادتها كل يوم تبقي حبيبها في مساحة بصرها ، لا تغمض عيناها بنوم ولا يرف جفناها من تعب ، من ساعة دخوله الغرفة حتى المغادرة .

يلقي نظرة خاطفة على شاشة هاتفه النقال :

–  لقد تجاوز الوقت الثانية عشر ، بداية النصف الثاني من الليل ، انه وقت النوم يا غالية.

يدنو من الحائط الذي تتوسطه فتاة مرسومة بالفرشاة وتشغل طلتها الآسرة ثلث الجدار ، يقف بإجلال  أمام حضورها المهيب ، يرسل قبلة في الهواء:

–  تصبحين على خير يا حياتي.

– …….